البيرق الاخضر المشرف العام
5868
البطاقة البيرقية الرتبة: 1 الجنسية: فلسطيني
| موضوع: الدعوة السرية والسرية في العمل العسكري الأحد يونيو 09, 2013 11:39 pm | |
| الدعوة السرية ج) السرية في العمل العسكري
إن الأصل في الدعوة كما ذكرنا هو الجهر والاستثناء هو الإسرار، أما الأعمال العسكرية فعكس ذلك، فالأصل فيها السرية وكيفما أمكن إخفاء المعلومات والأسرار فذلك واجب وهذا كله بهدف تحقيق عنصر المباغتة ومفاجأة الخصم، وهو من أهم أسباب النصر، أما أدلة السرية في الأعمال العسكرية فهي:
أ) ما رواه البخاري عن كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك قال: (ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا، وعدوا كثيرا، فجلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد).
فقوله: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، يدل على أن الأصل في الأعمال العسكرية أن تكون سرية، وقد رواه أبو داود بلفظ: (وكان يقول الحرب خدعة)، وهذا الحديث فيه فائدة تتعلق بالسرية، وهي أنه يجوز للأمير أن يخرج بالجيش للغزو ومعظم الجيش لا يعلم جهة الغزو بدليل قول كعب بن مالك (فجلى للمسلمين أمرهم)، وقوله (فأخبرهم بوجهه الذي يريد) وذلك في غزوة تبوك دون غيرها.
وهذه الفائدة مهمة حتى لا يقول أحد من الجنود لا أخرج للغزو حتى أعلم الجهة والعدو.
وفي الحديث فائدة أخرى؛ وهي أن إخفاء المعلومات ليس عن العدو فقط بل وعن الصديق أيضا، وليس ذلك عن خيانة ولكن الهدف من ذلك حصر المعلومات في أضيق دائرة ومنع تسربها للعدو ما أمكن، فإن للعدو عيونا وقد يتكلم الصديق، وفي الحكمة: سرك من دمك فانظر أين تضعه.
ب) ومن ذلك أيضا بيعة العقبة مع الأنصار فإنها كانت سرية.
وقد روى هذه البيعة ابن كثير حيث قال: (قال ابن إسحاق عن معبد عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا) اهـ [59].
وقال ابن كثير أيضا: (قال البيهقي - بسنده - عن عامر الشعبي قال: "انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة، فقال: ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم") [60].
ج) ومن الأدلة على ذلك أيضا هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فقد كانت سرية قال تعالى {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [61]، قال أبو بكر رضي الله عنه: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) [62]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك حين تبعهم: (اخف عنا) [63].
والأخذ بالسرية والكتمان في قصة الهجرة أشهر من أن نشير إليها، ولكننا نذكر بطرف من هذه القصة كما رواه البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها وفيه قالت: (وتجهز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمُر أربعة أشهر)، قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة: (فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا - في ساعة لم يكن يأتينا فيها - فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن، فأذن له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أخرج مَن عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أُذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قال أبو بكر: فخذ يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحثَّ الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين، قالت: ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يُكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليال الثلاث، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو على دين كفار قريش فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر ابن فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق الساحل) [64].
والأخذ بالسرية في الحديث السابق أوضح من أن نعلق عليه.
د) ومن السرية أيضا ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم مع سرية عبد الله بن جحش، حيث كتب له كتابا وأمره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة يومين.
قال ابن كثير: (قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش الأسدي في رجب مقفله من بدر الأولى، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد)... إلى أن قال: (وكتب له كتابا وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم يمضي لما أمره به، ولا يستكره أحدا من أصحابه، فلما سار بهم يومين فتح الكتاب فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم...) [65].
وفي هذه القصة دليل واضح على أنه يجوز للأمير الخروج بالجند دون أن يخبرهم بوجهته وذلك حذرا من جواسيس العدو.
هـ) ومن السرية في الأعمال العسكرية أيضا التجسس على العدو، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث العيون على عدوه كما بعث حذيفة إلى معسكر الأحزاب، وبعث الزبير طليعة وحده وغير ذلك مما ثبت في الصحاح وغيرها.
و) ومن ذلك كتمان نعيم بن مسعود لإسلامه حتى أوقع بين الأحزاب وبين قريظة يوم غزوة الأحزاب.
قال ابن إسحاق: (إن نعيما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة) [66].
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجوز للمسلم بل قد يجب في بعض الحالات التشبه بالمشركين في الهدي الظاهر كاللباس ونحوه لمثل هذه المصالح، قال رحمه الله: (ومما يوضح ذلك أن كل ما جاء من التشبه بهم إنما كان في صدر الهجرة ثم نسخ بعد ذلك، لأن اليهود إذ ذاك كانوا لا يتميزون عن المسلمين لا في شعور ولا في لباس ولا بعلامة ولا غيرها، ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع الذي كمل ظهوره في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما شرعه الله من مخالفة الكافرين ومفارقتهم في الشعار والهدي، وسبب ذلك أن المخالفة لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك.
ومثال ذلك اليوم لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمورهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة، فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية ففيها شرعت المخالفة، وإذا ظهر أن المخالفة والموافقة لهم تختلف باختلاف الزمان والمكان ظهرت حقيقة الأحاديث في هذا) اهـ [67].
مما سبق يتبين بالأدلة الشرعية مشروعية السرية في العمل الإسلامي عموما، ومنه تعلم خطأ من يقول إن الإسلام لا يقر العمل السري، أو ليس في الإسلام سرية.
فمما يؤسف له أن بعض من يتصدون للدعوة الإسلامية ينكرون على غيرهم الأخذ بالسرية، وهذا الإنكار يدل على أن الإعداد للجهاد في سبيل الله لم يخطر ببال هؤلاء المنكرين ولم يعملوا له وإلا لعلموا معنى السرية وأهميتها وكما قيل ليس المخبر كالمعاين.
وعلى الجملة فإنه لا ينكر مبدأ السرية إلا من يجهل كيفية تدبير أمر الجهاد الواجب شرعا.
فإن السرية أصل من أصول الحرب اتفق عليه الناس جميعا مؤمنهم وكافرهم، ومن هنا أيضا كان التجسس على المسلمين جريمة وكبيرة من الكبائر شرعت فيه العقوبة المغلظة.
وإنه لمن الخطأ إنكار مبدأ السرية في الجهاد وفي مقاومة الطواغيت والمجرمين في الوقت الذي يجند فيه الطواغيت الآلاف من المخبرين السريين وأجهزة المباحث للحصول على معلومات عن المجاهدين المسلمين، ولك أن تسأل نفسك: كيف يمكنك أن تقوم بعملية عسكرية ناجحة ضد عدوك أينما كنت إذا كان عدوك يعلم كل عناصر هذه العملية من الخطة إلى الأفراد إلى التوقيت؟
وكيف يستطيع من يقوم بالجهاد أن يخفي أمره عن العدو حتى يفاجأهم؟ اللهم إلا أن يقال إن هؤلاء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ويبدلون شريعته ويوالون الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم ويتبنون بل ويدعون إلى العلمانية والديمقراطية والنظم التي تناقض أصل الإسلام، مسلمون لا يُجَاهَدون، ولرد هذه الأقوال الباطلة موضع آخر إن شاء الله تعالى.
[59] البداية والنهاية لابن كثير، ج 3 / 160. [60] البداية والنهاية لابن كثير، ج 3 / 163، والحديث رواه أحمد بسنده عن الشعبي عن أبي مسعود الأنصاري موصولا. [61] سورة التوبة، الآية: 40. [62] رواه البخاري حديث رقم 3653. [63] رواه البخاري حديث رقم 3906. [64] صحيح البخاري حديث رقم 3905. [65] البداية والنهاية، ج 3 / 248 249. [66] البداية والنهاية، ج 4 / 111، وراجع فتح الباري، ج7/402. [67] اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق الدكتور ناصر العقل، ج 1 / 418 419.
| |
|
البيرق الاخضر المشرف العام
5868
البطاقة البيرقية الرتبة: 1 الجنسية: فلسطيني
| |